أنبياء العصر “الأساتذة” رغم المعاناة يرفعون شعار أبناء الشعب أبناؤنا والتضحية لأجلهم واجبنا

الوطنية بريس زايد الرفاعي

أسطوريا؛ يمكن اعتبار المعلم سيزيف عصره، لاسيما المدرسين الذين لقت بهم التعيينات إلى تخوم القرى والبوادي، وفيافي جبال الأطلس والريف، حيث أضحوا مرغمين على نقش المعرفة على الصخر وزراعتها في الرمال، فسافروا من أجل قطرة ماء ليعودوا بضفادع!

في الحقيقة؛ والحقيقة أبلغ من المجاز حين نصف وضعية الأساتذة خصوصا المعينين في بعض الفرعيات المديريات الهامشية، كونها تتجاوز حدود الوصف، لأنهم دون أدنى مبالغة يعانون الأمرين، وظروفهم تبكي الغيور على الوطن والكرامة قهرا، وتسقم قلوب الحريصين على تقدم التعليم وازدهاره، وتدمي جبين كل مسؤول متوار.

ففي الوقت الذي تتعالى فيه خناجر أقزام من داخل مكاتب مكيفة، ناعتة أسرة التعليم بالتهاون والتقصير وإفساد التعليم، وبالمساهمة بشكل أو ٱخر في أمية المجتمع، يتناسون ويغضون البصر عن الدور الجبار الذي يقوم به من يستحقون لقب “أنبياء العصر” لاسيما أساتذة الفرعيات و “الأساتذة المتعاقدين”، اللذين رغم شعورهم بالحيف والمعاناة يواصلون تأذية رسالتهم بكل أمانة في سبيل التربية والتعليم، مرددين شعار (أبناء الشعب أبناؤنا، والتضحية لأجلهم واجبنا).

ذلك؛ حينما يتكبدون الكيلومترات تحت زمهرير الأمطار أو قر الصيف، ناهيك عن التضحية بنفسية مهترئة أصلا، ومال محدود سلفا، ومصير مجهول بسبب “العقدة” طرفا، لا لشيئ سوى من أجل توفير جو دراسي وحياة مدرسية كريمة لأطفال لا ذنب لهم سوى أنهم أبناء جبال وقرى لم تنل نصيبها بعد من التنمية والتجهيزات والبنيات التحتية التي تضمن لهم تعليما ملائما وعيشا كريما.

بل إن بعض مدرسي الفرعيات تصل بهم التضحيات، إلى تدريس أضعاف واجبهم المهني، فيضطرون إلى تدريس مجموعة أقسام في حجرة واحدة، بعد قطع مسافة كيلوميترات، وتوسل مختلف وسائل النقل من النقل المزدوج إلى الدواب إلى الأقدام، أما التألم مع جميع تقلبات الطقس فحدث ولا حرج، دون الحديث عن قلة الوسائل الديكاكتيكية وانعدامها تارة بسبب انقطاع الكهرباء، وصبيب الأنترنيت…

لمعرفة مدى معاناة هذه النخبة من معلمي الأجيال، يكفي استعاب وتحليل هاته العبارة على لسان إحدى المدرسات: “لقد تجاوزنا الخوف رغما عنا، وأصبحنا رجالا رغم عنا، أصبحنا باختصار الرجال الذين حلمنا أن نتزوجهم، حياتنا أضحت مثل حياة الجنود المرابطين في الحدود، كثيرا من الموت قليلا من الحياة”.

ففي الوقت الذي يراهن فيه العالم على المعلم، ويكيف ميزانية ضخمة أجل البحث العلمي والمدرسة، وتوفير كل اللوازم الممكنة في سبيل تعليم عصري متقدم، لازال المدرس عموما ومعلمي الفرعيات بالخصوص، يصارعون الطبيعة ويرممون ما تبقى من نصاعة النفس لأجل تأذية رسالتهم بكل أمانة ونبل، وتقديم ما استطاعوا إليه سبيلا من معرفة ومعلومات ومهارات وكفايات بيداغوجية، لتلاميذ والمتعلمين، أملهم، رأسمال المجتمع وأجيال مغرب الغد.

مع العلم؛ لا يختلف اثنان كون جائحة كورونا أبانت عن الدور الوظيفي المهم للتعليم وللأستاذ والمعلم، وكون إلزامية وضع المعلم في أولويات البرامج الإستراتيجية للحكومة، والتعامل الجاد مع البنذ الوزاري الذي يعتبر التعليم ثاني أولوية واهتمام بعد قضية التراب الوطني.

لذا؛ تجنبا لأي احتقان نفسي، قد يؤثر سلبا على المتعلمين وعلى شعار “المدرسة المغربية الجديدة” الذي تنادي به الوثائق الوزارية، لا مبرر لعدم الإهتمام بالمعلم وتحسين ظروف عيشه اجتماعيا وماديا ولوجيستيكا، ورغبة في تقدم التعليم وانفتاح آفاقه، لامناص من تفعيل توصيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والتعامل الرصين مع مبادئ الرؤية الإستراتيجية التي من شأنها الاهتمام بالمدرس، والرفع من جودة التعليم القروي، وتخليق الحياة المدرسية بالبوادي والقرى والمديريات، وتمكينها من التجهيزات والبنى التحتية والتدابير الحديثة التي تليق بكرامة المدرس.

ختاما؛ وكنتيجة لما سبق، فلا عجب أن يشهد القطاع طيلة الأسابيع السارية احتقان غير مسبوق، من اعتصامات واحتجاجات وإضرابات، انطلاقا من الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد أو أطر الأكاديميات، مرورا بالإداريين، وانتهاءا بالأساتذة حاملي الشواهد العليا.
في ظل تمطيل الحوار وعدم الإستجابة لملفاتهم المطلبية التي يصفونها بالمشروعة.


شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...