الدورة العادية لشهر فبراير 2023 جماعة فاس “المؤرخ عدو السياسي”

الوطنية بريسياسين بورمضان

وأنا في خضم القيام ببعض الإجراءات داخل المحكمة الابتدائية بفاس، صادفت وقفة احتجاجية منظمة من طرف هيأة المحامين بفاس ضد ما عرف بمقترح الرسوم الضريبية التي تخص قطاع المحاماة، عندها قررت أخذ صور للوقفة باعتباري صحفي مراسل “للوطنية بريس”، وما هي إلا لحظات حتى تفاجأت بسؤال أحد رجال الأمن عن ماهية ما أفعله وبأي صفة ألتقط الصور، وعندما أخبرته بطبيعة عملي طلب مني التوجه إلى مكتب نائب وكيل الملك بنفس المحكمة السيد “ف.ج”، وعند تحدث رجل الأمن مع الأخير، طلب مني مشاهدة الصور التي التقطتها، وعندما كنت أريه الصور الملتقطة فإذا بها تظهر صورة تحمل عنوان كبير “الحرية”، ما أثار انتباهي هو رد فعل نائب وكيل الملك، “ها ها الحرية، رد رد الصورة لي دازت”، فنظرت إليه مبتسما وأخبرته أنها صورة لكتاب علال الفاسي بعنوان “الحرية”، فكأني به فهم المغزى من ابتسامتي بعد ما شاهد صورة الكتاب واستدرك قائلا بصوت جوهري “نحن في دولة الحق والقانون واحترام حقوق الإنسان”، عندها ودعته وغادرت المكان لحال سبيلي.
إن ما جعلني أتذكر قصتي في المحكمة الابتدائية مع نائب وكيل الملك هو ما حدث خلال الدورة العادية لشهر فبراير 2023 بجماعة فاس، حيث كان مدرجا ضمن جدول أعمالها التصويت على نقطة لها حساسية خاصة عند الشعب المغربي عامة والساكنة الفاسية بشكل خاص، وهو إدراج نقطة اتفاقية توأمة بين مدينة إسرائيلية ومدينة فاس العالمة، حيث استنكر فريق العدالة والتنمية المعارض لمجلس المدينة إدراج هذه النقطة خلال هذه الدورة، وعبروا عن هذا الاستنكار بإصدار بيان، ورفعوا لافتات داخل قاعة الدورة تحمل عبارات ضد التطبيع، هذا الحدث دفع بمجموعة من الصحفيين الزملاء بالتقاط الصور لفريق العدالة والتنمية داخل مجلس المدينة، وفي هذه اللحظة توجه عمدة المدينة عبد السلام البقالي وهو على منصة القاعة إلى أحد الصحفيين مخاطبا إياه بصفة السلطة الضبطية التي لا يخولها له القانون ” أجي نتا عندك البطاقة، أرا نشوفها”، في هذه اللحظة انتفض كل ممثلي وسائل الإعلام الموجودين داخل القاعة محتجين على هذا التصرف من طرف العمدة، بل ذهب الأمر إلى انسحابهم من القاعة احتجاجا على ما تعرض له الزميل الصحفي، وقد تضامن فريق العدالة والتنمية مع الأطقم الصحفية، واحتج المستشار الجماعي والعمدة السابق حميد شباط على هذا الأمر علانية داخل القاعة، بل ذهب الأمر إلى انسحابه وانسحاب جل فرق المعارضة.
ونحن في خضم هذه الأحداث راودتني المقولة الشهيرة التي تقول “إن عدو السياسي الأول هو المؤرخ”، إن أكبر مشكل يعانيه المغرب والمغاربة اليوم هو مشكل العقلية، ففي الوقت الذي تبدل فيه الدولة بمؤسساتها مجهودات كبرى من أجل التخلص من الإرث الماضي المؤلم أو ما سمي بسنوات الجمر والرصاص، نجد بعض المسؤولين لا زالوا يفكرون بعقلية ادريس البصري، إن المغرب اليوم يواجه تحديات كبرى لم ولن يكون آخرها تقرير البرلمان الأوروبي سيء الذكر تجاه المغرب في مجال حقوق الإنسان، دون أن ننسى مكائد خصوم الوحدة الترابية للمملكة، كل هذا ينبغي أن يدفع كل مسؤول في مجال معين أن يغير عقليته وأن يتخلص من إرث الماضي ليكون فاعلا إيجابيا في بناء دولة الحق والقانون واحترام الحريات العامة وحرية التعبير، لا أن يكون معول هدم لكل ما تم تحقيقه منذ الإعلان عن لجنة الإنصاف والمصالحة.


شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...