انتصار السلطان العثماني الطيب رجب أردوغان في انتخابات تركيا

الوطنية بريسياسين بورمضان

إن المتابع لتجربة حزب العدالة والتنمية التركي، بزعامة الرئيس رجب أردوغان، يجد نفسه مرغما على دراسة هذه التجربة الرائدة في العالم الإسلامي بالموازاة مع الأنظمة الديمقراطية في الغرب، خصوصا عندما نعرف أن اقتراح اسم العدالة والتنمية التركي جاء من عراب وأمين عام حزب العدالة والتنمية المغربي، الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله.
منذ أن فاز حزب العدالة والتنمية سنة 2002 تحت قيادة رجب الطيب أردوغان بالحكم في تركيا، أثبت أردوغان أنه قائد محنك وسياسي نزيه، يتمتع بكاريزما قوية، يحب دولته وشعبه، فقد استطاع خلال عشر سنوات الأولى من الحكم أن يحسن الدخل الفردي من 2000 دولار في السنة إلى 10000 دولار لكل مواطن تركي في السنة، كما استطاع رفع قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، حيث ركز على جلب وتشجيع الاستثمار الخارجي بطرح عروض قوية من قبيل بناء مطار اسطمبول بقيمة أكثر من 40 مليار دولار أمريكي، هذا وغبره ساعد في خلق فرص الشغل لملايين الأتراك، حتى أصبحت تركيا اليوم تتبوأ المرتبة السادسة في مجال الاقتصاد على مستوى العالم، أما في الجانب الصحي فقد استطاعت حكومة العدالة والتنمية خلال العقد الأول من ولايتها أن ترفع من مستوى الخدمات الصحية، من قبيل بناء المستشفيات وتكوين الأطر الطبية مع تشجيع الاستثمار في قطاع الصحة مما خول لتركيا أن تصبح من الدول الرائدة في قطاع الصحة، أما على مستوى التعليم فقد تم افتتاح أكثر من 125 جامعة في تركيا خلال الولاية الأولى فقط لحزب العدالة والتنمية، بالإضافة إلى تقديم التمويل الكافي والتشجيع على البحث العلمي، المدني (السيارات التركية…) والعسكري (الطائرات بدون طيار…)، الموسوم بصنع في تركيا، كل هذا العمل الدءوب والإنجازات التي حققها حزب العدالة والتنمية بقيادة الطيب رجب أردوغان، كللت انتصاره في الانقلاب الخامس سنة 2016، التي يقال على أن عقلها المدبر هو فتح الله غولن الذي يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، هذا الحدث المهم في تاريخ الشعب التركي (انقلاب 2016)، شاهد العالم أجمع التحام الشعب التركي مع قيادته السياسية برئاسة أردوغان رفضا للانقلابات العسكرية التي كانت تعرفها تركيا بين الفينة والأخرى، ليستثمر السلطان العثماني هذا الانقلاب والتحام الشعب حول الحكم المدني في توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية من خلال استفتاء شعبي تكلل بالنجاح، أما على المستوى الخارجي فبعد أن رفضت أوروبا انضمام تركيا إلى اتحادها، ما كان من تركيا إلى أن تدير ظهرها إلى أوروبا في اتجاه العرب الذين يشكلون العمق التاريخي العثماني والمعسكر الشرقي بزعامة روسيا.
بداية بالقواعد العسكرية التركية في قطر ودعم الحكومة الشرعية في ليبيا، مرورا إلى تقسيم الحدود البحرية مع اليونان ومصر بحثا عن الغاز بفرض الأمر الواقع ودعم الجيش المغربي بالطائرات بدون طيار عالية التكنولوجيا (برقدار)، لردع الجماعات المسلحة في الصحراء المغربية وعلى رأسها مرتزقة البوليزاريو، وصولا إلى مد الجسور التاريخية مع العرب من خلال التجارة والاستثمار وتشجيع السياحة.
أما على مستوى العلاقة بالمعسكر الشرقي، فتبقى صفقة منظومة الصواريخ الدفاعية S400 مع روسيا الاتحادية، رغم أن تركيا عضو في حلف الناتو الذي تأسس أساسا لمواجهة المد الشيوعي والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي سابقا، بالإضافة إلى هذا وذاك كيف رجح التدخل التركي في ترجيح كفة أذريبجان على أرمينيا في حربهما الأخيرة، إن فوز رجب الطيب أردوغان اليوم برئاسة تركيا بالصلاحيات الموسعة التي ضمنها له الدستور التركي بعد الاستفتاء الشعبي، بالإضافة إلى انتصار تحالف حزب العدالة والتنمية بالانتخابات النيابية، مع الذكرى المئوية لتأسيس تركيا الحديثة ودخول العثمانيون للمئوية الثانية، يعد إنجازا تحقق بخطط استراتيجية، يحكمها معرفة التاريخ وفهم الواقع واستشراف المستقبل.
ليتوج السلطان العثماني رجب الطيب أردوغان صانع تركيا الحديثة وباني حضارة العثمانيين الجدد، رئيسا للجمهورية التركية، معلنا عن المئوية الثانية من تركيا القوية إلى قيام الحضارة العثمانية الجديدة وفق المنظور الجديد لبناء الدولة الحديثة.


شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...